أيها المسلمون:
سأقرأ عليكم جملة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأرعني سمعك يا عبد الله: وكلها أحاديث عن الصلاة. يقول عليه الصلاة والسلام:
((آتاني جبريل من عند الله تبارك وتعالى، فقال يا محمد إن الله عز وجل يقول: إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات فمن وافى بهن، على وضوئهن، ومواقيتهن، وركوعهن، وسجودهن، كان له عندي بهن عهد أن أدخله بهن الجنة، ومن لقيني قد انتقص من ذلك شيئا، فليس له عندي عهد، إن شئت عذبته، وإن شئت رحمته)).
ويقول
:
((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)).
ويقول
:
((اعلم أنك لا تسجد لله سجدة، ألا رفع الله لك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة)).
ويقول
:
((إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه كلها، فوضعت على رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه)).
ويقول
:
((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أتمها، كتبت له تامة، وان لم يكن أتمها قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته))، ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك.
ويقول
:
((من ترك صلاة العصر حبط عمله)).
ويقول
:
((من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبكم الله من ذمته بشيء، فان من يطلبه من ذمته بشيء، يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)). ويقول
:
((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن امر بالصلاة فتقام، ثم امر رجلا فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)).
ويقول
:
((صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل وحده خمسا وعشرين درجة)).
ويقول
:
((ما من ثلاثة من قرية ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية )).
ويقول
:
((من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له إلا من عذر)).
ويقول
:
((ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)).
ويقول
:
((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)).
أيها المسلمون:
هذه الأحاديث وغيرها كثير، من المخاطبون بها؟ لمن قيلت هذه النصوص؟ هل قيلت للجن؟ أين نحن من هذه الآثار النبوية، وما حظ كل واحد منا، يقول عبد الله بن مسعود كما في صحيح مسلم: ولقد كان يؤتى بالرجل يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف.
لما حضرت سعيد بن المسيب الوفاة، وكان رحمه الله عالم التابعين وإمامهم، بكت ابنته عليه، فقال لها: لا تبكي عليّ يا بنية، والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد. من أربعين سنة لا يؤذن المؤذن وهذا الرجل في المسجد ينتظر الصلاة، ليصلى مع المسلمين، وكان الأعمش يقول: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة خمسين سنة. هؤلاء هم الذين عرفوا قيمة الصلاة أما في أوقاتنا:
ولكن أين صوت من بلالٍ
ومسجدكم من العباد خاليٍ
فجلجلة الأذان بكل حيِّ
منائر كم علت في كل ساحٍ
أنتم شهداء الله في الأرض، المسلمون هم شهداء الله في أرضه، ولا يمكن أن نشهد إلا لمن يصلي معنا في المسجد كل يوم خمس مرات، أما رجل قريب من المسجد ثم تفوته الصلاة مع المسلمين، فهذا لا يشهد له عند الله يوم القيامة.
ما معنى الإيمان الذي يدعيه رجال ثم هم لا يحضرون الصلاة في الجماعة، ما معنى الإيمان وما قيمة الصلاة في حياتهم، ثم إذا تكلمت مع أحد منهم زعم بأنك تتهمه بالنفاق، إن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتهمون المتخلف عن الجماعة بالنفاق، يقول ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. فأي دين لهؤلاء الذي لا يعمرون المساجد، وأي إسلام لمن يسمعون النداء ثم لا يجيبون، قال الله تعالى:
انهم كانوا إذا قيل لهم لا اله إلا الله يستكبرون . قال بعض أهل العلم. هم الذي لا يحضرون الصلاة في الجماعة. أين الأجيال، أين شباب الأمة، أين الرجال، والمساجد خاوية تشكو إلى الله تعالى. إذا كان هذا مستوانا في الصلاة وهي عمود الإسلام، فكيف بباقي شرائع الدين كيف ترتقي أمة لا تحسن المعاملة مع الله، كيف تفلح أمة لا تقدس شعائر الله، كيف تكون صادقة في الحرب، أو في التعليم أو في التصنيع أو في الحضارة، أو في الإدارة وهي لا تحسن الاتصال بربها في صلاة فرضها الله عليها.
كم تأخذ صلاة الجماعة من أوقاتنا، في مقابل ما نضيعه في الأكل والشرب والنوم، والمرح، إنها دقائق معدودة، لكن بها يرتفع المؤمنون ويسقط الفجرة والمنافقون، بها يعرف أولياء الرحمن من أولياء الشيطان، بها يتميز المؤمن من المنافق يقول عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيحين:
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله أني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله))، والحديث واضح وصريح كما سمعتم أمر من الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام بأن يقاتل هذا الإنسان، حتى يسجد لله فيوم يتهاون الإنسان بالصلاة، أويترك الصلاة أو يتنكر للصلاة، أولا يتعرف على بيت الله يصبح هذا الإنسان لا قداسة له، ولا حرمة له، ولا مكانة ولا وزن، هذا الإنسان حين يترك الصلاة يكون دمه رخيصا، لا وزن له، يسفك دمه، وتهان كرامته، ويقطع رأسه بالسيف، قال الله تعالى:
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً .
أيها المسلمون: إنه لا عذر لأحد في ترك الصلاة مع الجماعة، كان سعيد بن المسيب إمام التابعين في عصره، كان يأتي في ظلام الليل إلى مسجد النبي
فقال له بعض إخوانه: خذ سراجا لينير لك الطريق في ظلام الليل، فقال يكفيني نور الله:
ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .
وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام:
((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) وهل في القيامة ظلمة، وهل في القيامة ليل؟ نعم والله إنه ليل وأي ليل، وإنها لظلمة وأي ظلمة، يجعلها الله لأعداء المساجد، ولتاركي المساجد والواضعي العثرات في طريق أهل المساجد، ظلمة يجعلها الله لأولئك الذين انحرفوا عن بيوت الله، وللذين حرفوا بيوت الله، تظلم عليهم طرقاتهم وسبلهم يقولون للمؤمنين يوم القيامة:
انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً كان الصحابة رضي الله عنهم، حتى وهم في المعارك إذا تلاقت الصفوف والتحمت الأبدان وأشرعت الرماح، وتكسرت السيوف، وتنـزلت الرؤوس من على الأكتاف في هذه الحال لم يكونوا يدعون صلاة الجماعة، تصلي طائفة وتقف الأخرى في وجه العدو.
والحرب تسقى الأرض جما أحمرا
في مسمع الروح الأمين فكبرا
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا
إنها الصلاة، إنها حياة القلوب، إنها الميثاق إنها العهد بين الإنسان وبين ربه، ويوم يتركها المرء أو يتهاون بها، يدركه الخذلان وتناله اللعنة، وينقطع عنه مدد السماء.
أيها المسلمون:
إن من أسباب السعادة، وحفظ الله لنا، ودوام رغد العيش الذي نعيشه، أن نحافظ على عهد الله في الصلاة، وأن نتواصى بها، وأن نأمر بها أبناءنا وأن نعمر مساجدنا، بحضورنا، فهل من مجيب؟ وهل من مسارع إلى الصلاة حيث ينادى بهن وهل من حريص على تلكم الشعيرة العظيمة إنها الحياة، ولا حياة بغير صلاة، إنها رغد العيش، ولا رغد في العيش بغير صلاة، إنه دوام الأمن والاستقرار، ولا أمن ولا استقرار بغير صلاة. إنه التوفيق من رب العالمين في كل شيء، ولا توفيق ولا تسديد بغير صلاة.
فالله الله أيها المسلمون في الصلاة، من حافظ عليها، حفظه الله، ومن ضيعها ضيعه الله ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة:
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
فالصلاة الصلاة عباد الله، في أول وقتها بخشوعها، بخضوعها، بأركانها، بواجباتها، بسننها، وفي جماعتها، علّ الله أن يحفظنا ويرعانا إذا نحن حافظنا عليها وعظمناها
فإنه الركن إن خانتك أركان
فالزم يديك بحبل الله معتصما
أقول ما تسمعون، واستغفر الله . . .
ومما يتعلق بالصلاة، موضوع مهم جدا، وهذا الموضوع ليس لتاركي الصلاة، ولا للمتهاونين والمتخلفين عن صلاة الجماعة، ولكنه لأولئك المحافظين على الصلوات الخمس في جماعة، أخص بالذكر الشباب الطيب، الذي هو أصلا قدوة لغيره في مثل هذه الأمور، وهذه القضية هي، حضور الشخص متأخرا عن الصلاة، وقد فاته بعضها، فبعد أن يسلم الإمام تجد عدد غير قليل من المسلمين يقومون لإتمام ما فاتهم، وعدد غير قليل من هؤلاء المتأخرين من الشباب الطيب المحب للخير، وهذا حرمان عظيم، حرمان أن يفوت الشخص تكبيرة الإحرام مع الإمام، وقد يعتذر البعض ولو في داخل نفسه أنه مشغول بشيء مهم، فهو ليس كعوام الناس شغله لهو أو لعب، ولكن شغلته دعوة، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو حضور درس أو غيرها من أعمال الخير، فلا يحس بتأنيب الضمير إذا فاته تكبيرة الإحرام، وهذه من المغالطات، بل من الموازنات المرجوحة، فإنه لا أهم من الصلاة إذا نودي لها، وكل عذر مما يشبه ما ذكرت فهو مردود.
اعلموا أيها المصلون أن واجب صلاة الجماعة يبدأ بتكبيرة الإمام تكبيرة الاحرام. فمنذ ينقطع صوت الإمام بقول الله اكبر، يبدأ وجوب المتابعة له قال بعض أهل العلم بأنه من تلك اللحظة يبدأ احتساب الأجر والأخذ في إدراك الجماعة إدراكا كاملا، ويبدأ أيضا احتساب الإثم في حق القادر المتخلف عمدا عن جزء منها، وهذه مسألة قلَّ ما يتفطن لها حتى بعض طلبة العلم. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه:
((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) المقصود في قوله
لا تختلفوا عليه والله اعلم، أي لا تختلفوا عليه في القيام والقعود والمتابعة، ومن ذلك ضرورة التكبير ومباشرته بعده.
وإن من ظواهر التقصير في أداء هذا الواجب ما يرى من تخلف كثير من المصلين عن الحضور إلى مكان الجماعة لحين ما بعد الإقامة، فكثيرا ما ترى الإمام يبدأ بعدد قليل ولا يكاد يكبر تكبيرة الركوع حتى يتضاعف العدد من أناس تمروا بمجيئهم بالإقامة ولا شك في أن فعل هذا عمداً تقصير يفوت أجرا ويرتب وزرا، يفوت أجر الجزء الذي تركه عمداً في الأول، ويرتب وزر تفويته عمداً، فمن المعلوم عند العلماء رحمهم الله أن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فعلى فرض أن مسافة الطريق تحتاج ممن تجب عليه الجماعة بضع دقائق، فإذا لم يبق على الإقامة من الزمن إلا بمقدار تلك الدقائق تعين عليه المشي ليلحق بصلاة الجماعة في أولها، أو يعد آثما لو تأخر بدون عذر شرعي.
وبجانب ما في هذا التقصير وهذا العمل من تفويت أجر، وربما ترتب عليه وزر، فهو يؤثر كثيرا وكثيرا على ما يطلب في الصلاة من خشوع وتذلل وتأمل وتدبر، لقد شرع قبلها ما يهيئ لذلك، لا ما يطارده أو يضعفه، شرع قبلها الوضوء، وشرع قبلها أدعية الخروج من المنزل، وشرع قبلها أدعية دخول المسجد، وشرع قبلها صلوات النافلة، وشرع أن يأتيها المسلم بسكينة ووقار لا بغلبة وجلبة يضايقه فيها النفس، وهذا غالب شان المتأخر عنها يحاول أن يدرك هذه الأمور، أيها المصلون، شرعت بين يدي الصلاة وفي الصلاة، وخاصة صلاة الجماعة ذات الفضل العظيم، ليتهيأ المسلم في صلاته لمناجاته لربع، والوقوف بين يديه كأنه يراه، جواب هذا السؤال عندكم، رجل تأخر دون عذر شرعي حتى أقيمت الصلاة، فجاء يركض، بنفس قد ضايقها وشغلها عن مهمتها، وفوت كثيرا مما يشرع الاتيان به قبل ذلك هل هذا الرجل سينصرف بأجر صلاة الجماعة مثل ذلك الذي أدرك تكبيرة الاحرام مع الإمام.
نسأل الله جل وتعالى أن لا يعاقبنا بسوء أعمالنا وما يستشهد به البعض من قوله
:
((من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة)) فهذا في حق من لم له عذر شرعي، أما من لا عذر له فله أجر ما أدرك وعليه وزر ما فوت.
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا رحمكم الله على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، عمروا المساجد، تسابقوا إلى الصفوف الأول واعلموا أنه لن يصلح أخر هذه الأمة، إلا بما صلح به أولها.
أيها المسلمون، اختم لكم هذه الخطبة بان أقرأ عليكم ثلاثة أحاديث من أحاديث الرسول
وجعلتها في آخر الخطبة لكي تكون آخر ما يعلق في أذهانكم واسمعوها وتدبروها.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال. قال رسول الله
:
((تحترقون تحترقون، فاذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا)).
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله
:
((إن لله ملكا ينادى عند كل صلاة، يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها)).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله، عن رسول الله
انه قال:
((يبعث مناد عند حضرة كل صلاة، فيقول يا بني آدم قوموا فأطفئوا عنكم ما أوقدتم على أنفسكم فيقومون، فتسقط خطاياهم من أعينهم، ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، ثم توقدون فيما بين ذلك فإذا كان عند الصلاة الأولى نادى: يا بني آدم قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون ويصلون الظهر، فيغفر لهم ما بينهما، فإذا حضرت العصر فمثل ذلك فإذ حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذ حضرت العتمة فمثل ذلك، فينامون وقد غفر لهم، فمدلج في خير ومدلج في شر)).
اللهم انا نسالك رحمة تهدي بها قلوبنا . . .